بنيت مدينة حلب في منطقة إستراتيجية من العالم لتشكل حلقة الوصل بين أرجائه، ما جعلها تحقق نمواً اقتصادياً وتجارياً في مختلف مراحل تاريخها ويدل على ذلك خاناتها وأسواقها التجارية القديمة التي ما زالت في حركة دائمة حيث يقصدها سكانها وأبناء الريف والسياح من مختلف بلدان العالم، ومن أشهر هذه الأسواق وأكبرها "سوق العطارين".

ولمعرفة المزيد عن هذا السوق قام مراسل موقع eSyria بجولةٍ في أرجائه حيث كانت رائحة التوابل والعطورات والصابون تملأ المكان وتنعش قلب الزائر وروحه وتحكي له حكايات من تراث الإنسان الحلبي عبر الزمان، وهناك أجرى عدة لقاءات دارت حول هذا السوق وأهميته وكانت البداية مع السيدة "فاطمة أحمد" /ربة منزل/ قالت: «أنا أشتري احتياجاتي من التوابل والبهارات من "سوق العطارين" منذ أكثر من أربعين عاماً وقبل ذلك حين كنت طفلة كنت أرافق والدتي إليه».

أنا أشتري احتياجاتي من التوابل والبهارات من "سوق العطارين" منذ أكثر من أربعين عاماً وقبل ذلك حين كنت طفلة كنت أرافق والدتي إليه

وعن سبب قيامها بشراء حاجياتها من هذا السوق تحديداً رغم انتشار العديد من المحلات في عموم المدينة قالت: «يكفي أن تشم هذه الروائح التي تحمل في طياتها عبق الماضي وذكريات الطفولة كي تختار السوق وتميّزه من غيره، طبعاً إضافة إلى الأسعار الرخيصة قياساً لأسعار المحلات خارج المدينة القديمة».

أما مرافقتها السيدة "سليمة مصطفى" فقد أضافت: «في أسواق المدينة القديمة بشكل عام وفي "سوق العطارين" بشكل خاص يشعر الإنسان بأنّ البضائع أصلية وحقيقية وغير مغشوشة وأنّ أصحاب المحلات هنا ما زالوا يحتفظون بالأصالة والمحبة، هذا من جهة ومن جهة ثانية إنّ معظم البضائع التي تباع في المدينة القديمة وأسواقها هي من صنع وإنتاج هذا البلد من توابل وعطورات وصابون وغيرها وتتسم بطابع المحلية واليدوية».

في السوق أيضاً التقينا أصحاب بعض المحلات الذين تحدثوا عما يعرفونه عن السوق، ومن بينهم السيد "محمود سويد" فقال: «يمتد "سوق العطارين" بين سوقي "الزرب" و"الحبال" وذلك بطول حوالي 250 متراً ويوجد فيه أكثر من 80 محلاً لبيع مختلف أنواع البضائع ولكن أكثرها التوابل والأعشاب الطبية والصابون والزيوت وغيرها من مواد العطارة، وقد سُمي سوق العطارين نسبة إلى هذه البضائع التي اختص بها السوق منذ أقدم الأزمنة، أما المحلات التي تُباع فيها البضائع الأخرى من الأقمشة والشرقيات والجمدانات وغيرها فهي حديثة العهد».

وتابع بالقول متحدثاً عن محله: «هذا المحل مفتوح هنا منذ أكثر من 200 عام حيث ورثناه في العائلة أباً عن جد وما زلنا نتاجر فيه حتى اليوم بمواد العطارة وأهم ما نبيعه الأعشاب الطبية مثل البابونج والزهورات والمليسة وغيرها، وكذلك الزيوت التي تُستعمل في شفاء الكثير من الأمراض الجلدية وكذلك في تجميل البشرة، إضافةً إلى الصابون والهال والفريكة ومختلف أنواع البهارات».

وأخيراً وحول مستوى الإقبال على السوق قال: «الإقبال جيد جداً ويعود ذلك بالدرجة الأساس إلى رخص الأسعار وتوافر جميع البضائع المطلوبة كما أنّ السوق يمثل التراث الحلبي وأصالته».

أما السيد "أحمد يحيى عرب" صاحب محل بيع الشماخات /الجمدانات/ فقد تحدث لموقعنا بالقول: «"سوق العطارين" كان قديماً بمثابة الصيدلية لأهل المدينة وريفها وكان التجار فيها صيادلة يبيعون مختلف أنواع الأعشاب الطبية المجرّبة إضافةً إلى العطورات والتوابل وذلك حتى قبل خمسين سنة تقريباً حيث دخلت محلات جديدة وبضائع جديدة للسوق كالأقمشة وغيرها ومن ضمنهم محلي الذي تم افتتاحه في العام 1980 وذلك لبيع الجمدانات».

وحول إقبال السياح على السوق قال: «بشكل عام الإقبال جيد باعتبار أنّ السوق هو ممر إجباري للسيّاح والزوّار عموماً بين "باب إنطاكية" و"قلعة حلب" وهم بشكل عام يستمتعون كثيراً بأسواق المدينة ولكن اهتمامهم يكون بالشرقيات أكثر من أي شيء آخر».

ومن اللقطات التراثية الطريفة التي رصدها مراسلنا في السوق قيام المواطن "عبد القادر كريم" بتوزيع البضائع بين المحلات داخل السوق بواسطة حماره وحول عمله قال: «هذه مهنة قديمة وتعود إلى ما قبل ظهور السيارات حيث كانت التنقلات كلها بواسطة الحيوانات من حمير وبغال وجمال ومع ظهور وسائل النقل الحديثة انقرضت هذه المهنة تماماً باستثناء العمل داخل أسواق المدينة القديمة».

وأضاف: «في كل صباح أقوم بنقل البضائع بين المحلات داخل الأسواق وبين المحلات من داخل الأسواق وخارجها بالأجرة وذلك بسبب ضيق الأسواق وعدم قدرة السيارات على الدخول إليها، ولذلك فإنّ أصحاب المحلات يعتمدون علي في انجاز هذه المهمة وبالتالي الترزق من ورائها، والرزق على الله».