يعدّ الخط بما يحمله من مدلولات جمالية وقيمة تعبيرية الهوية العربية للفنان، فببراعة ريشته وتناغم ألوانه، استطاع الفنان "محمد أحمد أبو شعر" أن يحوّل تلك الحروف إلى عالم مذهل من لوحات الخط العربي التي تنبض بها الحياة، وكأنها تتراقص لتنشر الفرح.

«الفن هو رؤية الفنان للأشياء التي حوله والتعبير عنها بطريقته الخاصة، فهو نافذة الإبداع والجمال التي تمثل هويتنا الثقافية والتراثية». هذا ما بدأ به الفنان "محمد أحمد أبو شعر" حديثه لمدونة وطن "eSyria" عندما تواصلت معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 13 نيسان 2018، وعن تجربته الفنية قال: «أحببت الفن منذ الطفولة، وكبر ونما معي ورافقني في رحلتي، فقد دخلت إلى مركز الفنون التشكيلية في "حلب"، وتدرّبت على مختلف الفنون وخصوصاً المدرسة الكلاسيكية، فمنذ بداياتي تأثرت بأعمال الرواد الانطباعيين، كالفنان "مونيه"، و"بيسارو"، و"سيزان"، و"رينوار"، وأعشق فنهم الجميل، ثم بدأت صقل موهبتي على يد الفنان التشكيلي "محمد صفوت"، الذي قدم لي الكثير من معرفته وثقافته وخبرته الفنية والغنية، وأغنى تجربتي وموهبتي ووضعها في مسارها الصحيح، إضافة إلى أن أعمالي في البداية كانت تحمل طابعاً كلاسيكياً، لكنني حاولت تطوير رسوماتي بالدمج بين التشكيل والحروفيات؛ وهو ما أضاف إلى لوحاتي اللمسات الجمالية المتجددة، وخصوصاً أن الخط العربي يمتلك روحاً سامية بما يحمله من مدلولات جعلت الفنانين يوظفونه في لوحاتهم الفنية لرشاقته وحركته الجمالية وقيمه التعبيرية؛ وهو ما أعطى هذه الأعمال قيمة فنية عالية، مكّنت الفنان من تجسيدها بطريقته الخاصة، فهناك أعمال خطية مباشرة تجد أنها أعطت شكلاً متطوراً للحرف العربي؛ إذ تضمنت نصوصاً مختلفة من أقوال وحكم وعبارات دينية قمت بتجسيدها بخط الثلث الذي تميزت به وفضّلته عن غيره من الخطوط لسهولة انسيابيته وليونته».

الفن هو رؤية الفنان للأشياء التي حوله والتعبير عنها بطريقته الخاصة، فهو نافذة الإبداع والجمال التي تمثل هويتنا الثقافية والتراثية

وعن مراحل العمل الإبداعي، تابع: «يستمد الفنان المؤثرات الجمالية من الواقع ليعيد إنتاجه في عمل فني، حيث تتم العملية الإبداعية عبر مراحل ثلاث: مرحلة التلقي من الخارج، ثم مرحلة معالجة ما تلقاه الفنان وإعادة بناء علاقات جديدة بين ما تلقاه فيحوله إلى مركب جديد، ثم مرحلة تقديم العمل الفني ليكون بالصورة التي يريد تجسيدها عبر لوحاته، إضافة إلى أن اللوحات الحروفية حملت الكثير من التجديد على القوالب النمطية التي كانت سائدة منذ القدم، فهي تحمل ملامح التجديد المبني على فهم عميق للحرف العربي وطواعيته في صياغات جمالية لا حصر لها، فأنا كفنان حروفي حاولت من خلال اللوحة الحروفية أن أظهر الطاقة الرمزية والجمالية للحرف في العمل الفني للوصول إلى رؤية جمالية جديدة تظهر معها نوعيات جديدة ومبتكرة وحلول أسلوبية غير نمطية ترسخ هويته الثقافية وتراثه الفكري، الذي يجسّد المحافظة على تقاليدنا وموروثنا الحضاري، وهذه رسالتي الفنية، وخصوصاً أن الحرف العربي بما يحتويه من مخزون تراثي كبير (فني وهندسي) قد لا يستطيع الفنان التشكيلي توظيفه في لوحته التشكيلية من حيث معرفة أسرار وأغوار البناء الهندسي للحروف، وبما أن اللوحة الحروفية مبنية على الحرف والنص معاً، فلا بد أن يفهم الفنان التكوين الحروفي ودوره الأساسي في العمل، ثم يعتمد على ثقافته وموهبته وقدرته على اكتساب رؤية خطية جديدة».

أحد لوحاته

وعن "أبو شعر"، تحدث الفنان التشكيلي "محمد صفوت" قائلاً: «تعرّفته في مقتبل العمر، وكان شاباً طموحاً ذا موهبة خلاقة لافتة للنظر، تحظى بالتأمل والإعجاب، فهو من الفنانين الذين امتلكوا الإصرار على التطور والمضي قدماً نحو مستقبل فني متميز، وأظن أن خوضه في غمار التجارب والأساليب الجديدة شيء مهم، وينم عن معرفة وثقافة وثقة بالنفس، وقد شاهدت له عدة محاولات فنية جديدة في صياغة أسلوب اللوحة الحروفية، وكان موفقاً في أعماله الفنية، أتمنى له مستقبلاً فنياً مشرقاً».

وتحدث الفنان التشكيلي "عبد اللطيف حلاق" عن الفنان "أبو شعر"، فقال: «من خلال قراءتي لأعمال الفنان "محمد" الحروفية، فإننا نجد أنفسنا أمام لوحة تشكيلية تنبض بالحياة، فقد جسّد من خلالها مضامين إنسانية في التعبير عن معنى الجملة ورمزية القول ومباشرته في اللوحة الخطية، فهو يبتعد ببساطتها عن التجريد المغرق في إذابة روح الحرف وتحويله إلى مرموز مدعم استلهامي لمعاني تبتعد عن معنى ما يشتغل عليه من مقاصد الجملة القولية، ومما يحسب له قدرته على احترام قدسية وبناء الحرف، والمحافظة الجادة على رسم الشكل المثالي للحرف وفق مدارس الخط العربي المعروفة، والاستفادة منه في مختبره البصري كقيمة تجريبية مبتعدة عن الانفصام بين ذاكرة الكتابة وذاكرة الصورة، تلك المعادلة التي شغلت نقاد الحروفية في تخليص الحرف من ذاكرة الطراز التقليدي لمدارس الخطوط وتفريغه من بعده الروحي لمصلحة الحداثة التشكيلية في محاولة لإبعاد الفنان الحروفي من كونه خطاطاً يمتهن الكتابة فقط، فقد حقق من خلال تجربته الحروفية حسّاً جمالياً يجمع بين مجموعة من التوافقات بين الشكل والمضمون، والتوظيف اللوني بجمالياته ودفئه، وكذلك تناسبية الحروف المستخدمة من حيث اتساعها واحتوائها لجملة العناصر الإيحائية والإيهامية لإنتاج عمل متكامل العناصر، ولوحة ذات بعد تشكيلي متميز، أستطيع القول إنه رصين».

من أعماله الحروفية

الجدير بالذكر، أن الفنان "محمد أحمد أبو شعر" من مواليد "حلب" عام 1985، أقام العديد من المعارض الجماعية داخل "سورية" وخارجها، مقيم حالياً في "استنبول".

من أعماله التشكيلية