عرف الفنان التشكيلي "ياسر الغربي" الحرف العربي عندما اعتاد سماع الصوت، وطوّر خلال مسيرته الفنية الحافلة أدواته ليصنع طريقاً منفرداً في مجال الخط العربي، مؤلفاً في إبداعاته خلطة سحرية بين الحروف والفنون التشكيلية الأخرى.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 10 آب 2016، عبر موقع التواصل الاجتماعي مع الفنان التشكيلي "ياسر الغربي"، ليحدثنا عن رحلته الفنية مع الخطّ العربي بالقول: «ليس لي بداية محددة معه، فمنذ عرفت الحرف العربي بالصوت والشكل عرفت الخطّ العربي، وتطورت مسيرتي معه في جميع مراحل تعليمي ومعرفتي، وما زالت في تطور مستمر ودائم.

هو فنان مجتهد يبحث دائماً على أسلوب جديد ليجسده في لوحاته، وعلى تقنيات مبتكرة بهدف تحسين جمالية اللوحة وقيمتها الفنية، إضافة إلى تميزه وانفراده بأسلوب المباشرة في العمل الفني والبدء في اللوحة، والاعتماد الكبير على المخزون الفكري والخيالي لديه؛ وهو ما يجعل لوحاته الفنية غنية وزاخرة جداً بمساحات لونية تأخذ المتلقي إلى أعماق اللوحة

إنني مفتون بالحرف العربي من حيث الشكل والصوت واللون أيضاً، أقمت أول معرض فردي فني أدبي بعد دراستي الجامعية في جامعة "حلب" عام 2004، تلته المشاركة في عدد من المعارض الجماعية، بعدها وجدتني أغرق في وحل الحياة والصراع من أجل إيجاد كينونة فيها، واختيار الطريق الذي سيأخذني إلى حيث أريد ومتى أريد، لكنني تهت في طرق عدة واتجاهات مختلفة حتى عام 2013، حيث استطعت أن أملك زمام أموري، وكذلك رسمت الطريق الذي أريد السير به، وبدأت العمل كفنان تشكيلي محترف، حيث عملت على صقل موهبتي باجتهاد فردي دام سنوات طويلة، وما زلت مستمراً في تطويرها وتهذيبها والذهاب بها إلى مناطق غير مأهولة وأشكال وصور مبتكرة وغير تقليدية؛ فأنا والخط العربي متلازمان متوازيان».

وتابع حديثه عن المدرسة التي ينتمي إليها في حال وجدت: «لا شك أن أكبر معلم للخط العربي -وأنصح به كل شخص يرغب بسبر غور الحرف والخط العربي- هو "هاشم البغدادي"؛ فعلى الرغم من تطور تقنيات ووسائل التعليم الحديثة، إلا أنه يبقى المعلم الأول.

وإن كان لا بد من الانتماء إلى مدرسة فنية، فإنني أنتمي إلى المدرسة "الحروفية الحديثة" التي تختلف عن الخط العربي الكلاسيكي من حيث الأدوات والتقنيات، وأيضاً من حيث الشكل والصورة، حيث استخدمت "الحروفية" الحروف العربية، لكنها لم تلتزم بقواعد الخط العربي التاريخية، فهي اقتربت من الفنون التشكيلية في رسم الخط العربي، كما تختلف الألوان وتتدرج وتتداخل في اللوحات الحروفية بعكس الخط التقليدي الذي يعتمد أغلب الأحيان لوناً ونمطاً واحداً، أحاول في أعمالي الجمع بين الأدب العربي والخط العربي؛ أي جمع الحرف بالشكل والمضمون بالصوت والصورة وبكل ما يحمله من قيم وثقافة، وهذا شغف كبير يلاحقني عندما يجتمع اللون بالمعنى والشكل بالفكرة، وأقصد الفكرة الناطقة؛ أي الحرف المجسد للأدب والثقافة العربية».

وعن مشاركاته في المعارض داخل وخارج الوطن، يقول: «شاركت في عدد من المعارض الجماعية في جامعة "حلب". وبالنسبة للمشاركات العالمية، فإنني أعيش منذ ست سنوات خارج الوطن، وللأمر دلالات؛ بعضها إيجابية، ومنها أنني كالكثيرين من السوريين أحاول أن أفتح نافذة تشعّ بالألوان للحب والسلام والحياة، وتطلّ على مناطق مختلفة من العالم، وبهذا الصدد تمكنت من عقد اتفاق شراكة مع غاليري "آرت ريبريزينت" في "لندن" لعرض وتسويق أعمالي لمدة عام كامل، كما تم تجديد هذا العقد لعام آخر، وشاركت في معرض "نيويورك" الشتوي للفن و"الأنتيكا"، وأيضاً في معرض "أمستردام" الدولي في "هولندا"، إضافة إلى مشاركتي بمعرض الفن في "مينيستر" الدولي في "ألمانيا"، كما شاركت في معرض جماعي بمدينة "جدة" في "السعودية"، ومعرض جماعي في مدينة "الرياض"، ومعرض جماعي في "اسطنبول" عام 2011، ومعرض فردي في مدينة "الخبر" السعودية، كما تمكنا كمجموعة من الفنانين السوريين في "السعودية" من تأسيس مجموعة فنية أسميناها "روابط"؛ وهي منصة فنية واجتماعية للفنانين السوريين تربطنا بالحركة الفنية في "السعودية" ودول الجوار، وأقمنا عدة معارض "سورية"، وأخرى مشتركة في "الرياض" و"اسطنبول"».

وأضاف: «مشاركاتي العالمية فتحت أمامي آفاقاً جديدة كسوري أولاً، ثم كفنان تشكيلي من الوصول إلى منافذ الذوق الغربي عموماً والأوروبي خصوصاً؛ وهو ما يعدّ مسؤولية جديدة على عاتقي؛ لأنني أتخذ من الخط العربي والحروفيات والأدب العربي موضوعاً أساسياً لأعمالي، وأتجه فيه إلى الذوق العالمي، حيث أثبت الخط والحرف العربي جدارته ومنافسته كعنصر قوي ومكون جديد من مكونات الفن أيضاً في معظم المحافل العالمية، وأصبح عالمياً بجدارة بالغة، وهذا إضافة متميزة للعرب والفن العربي بوجه عام، فالخط يعدّ الممثل الشرعي الأهم والسمة الأكبر للفن العربي».

وعن المصاعب التي واجهها، قال: «واجهت مثل الكثيرين من الفنانين التشكيليين العديد من المشكلات والمصاعب، منها المادية والاجتماعية والشخصية من افتقاد في الوصلة والوجهة والهوية أحياناً، ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يكون المرء خالياً من أي مشكلات؛ ولذلك لا بد من استثمار وتوظيف كل ما يمر بنا من ظروف استثماراً إيجابياً بما ينعكس على حياتنا ورسالتنا الفنية وتحقيق أهدافنا، والمستقبل همّ كبير على كاهل كل إنسان، ولا سيما إن كان فناناً سورياً. أحلم بمرسم بسيط في منزلي بالقرب من "الفرات" يمثل معبداً صغيراً أطل من خلاله على أنحاء العالم، وأجعل منه مختبراً لتطوير تجربتي الفنية وإنضاجها والذهاب بها نحو الأعلى والأجمل».

الفنان التشكيلي "أحمد كيالي"، حدّثنا عن صديقه الفنان "ياسر الغربي" بالقول: «هو فنان مجتهد يبحث دائماً على أسلوب جديد ليجسده في لوحاته، وعلى تقنيات مبتكرة بهدف تحسين جمالية اللوحة وقيمتها الفنية، إضافة إلى تميزه وانفراده بأسلوب المباشرة في العمل الفني والبدء في اللوحة، والاعتماد الكبير على المخزون الفكري والخيالي لديه؛ وهو ما يجعل لوحاته الفنية غنية وزاخرة جداً بمساحات لونية تأخذ المتلقي إلى أعماق اللوحة».

يذكر أن الفنان "ياسر الغربي" من مواليد مدينة "مسكنة" في "ريف حلب"، عام 1980.