حلوى لها حضور اجتماعي وشعبي في حياة الناس في ريف "حلب"، تعدّ من الحلويات التراثية التي يتم إعدادها خلال السهرات الاجتماعية في الليالي الباردة لفصل الشتاء.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 شباط 2016، العمة "فاطمة أحمد" في "عفرين"؛ التي تحدثت عن حلوى "الآقيت"، وتقول: «تقوم النسوة الريفيات بإعداد حلوى "الآقيت" منذ أقدم الأزمنة، وقد توارثن صناعتها جيلاً بعد جيل، فمنذ أن كنت طفلة قبل ستين عاماً كانت جدتي تحضّرها لنا، وهي تعلمتها من والدتها، لقد كانت هذه الحلوى في تلك الفترات حاضرة في حياة الناس أكثر مما عليه الآن؛ وذلك بسبب ظهور أنواع مختلفة من الحلويات العصرية.

إضافة إلى فوائدها الصحية فإن "الآقيت" تمنح جسم الإنسان طاقة حرارية كبيرة؛ ولذلك يتناولها الفلاحون والرعاة خلال الأيام الباردة من فصل الشتاء، كما أنها تمنح الجسم القوة والنشاط اللازمين لأجسام الفلاحين خلال أدائهم لأعمالهم الشاقة في الحقول والبساتين

تتميز حلوى "الآقيت" بفوائدها الغذائية والصحية الكبيرة لأنها تحتوي مجموعة من المواد الغذائية الطبيعية التي نزرعها ونعدّها بأنفسنا، كدبس العنب أو كما يسمونه محلياً "الدبس الحلو" و"السمسم" والمنكهات الطبيعية مثل: "حبة السودا"، و"الشمرا"؛ لتضفي عليها مذاقاً طيباً.

دبس العنب من المكونات الأساسية للآقيت

منذ أواخر فصل الصيف من كل عام نقوم في الريف بتحضير وحفظ مؤونتنا السنوية من مادة "دبس العنب" لاستخدامه في إعداد العديد من مأكولاتنا الشتوية؛ وفي مقدمتها حلوى "الآقيت"».

وعن مراحل إعدادها تضيف: «لإعداد "الآقيت" نقوم بوضع كمية مناسبة من "السمسم" والمنكهات الطبيعية التي ذكرتها في طنجرة تحوي "دبس العنب"، ونغلي المزيج مدة لا تقل عن ساعة، حتى يتماسك المزيج ويأخذ قواماً عجينياً، حينها نقوم بسكبه على خشبة مستوية أو صينية معدنية وتسطيحه وتركه مدة وجيزة، حتى يفقد قسماً من حرارته، ويجب عدم تركه حتى يبرد؛ لأن البرودة تجعله قاسياً جداً ولا يمكن حينها تقطيعه حتى باستخدام المطرقة.

العمة فاطمة أحمد

بعد ذلك نحضر سكّيناً حاداً لنقوم بقص المزيج إلى مجموعة من القطع أو نقوم بصنع كرات دائرية منه ونضعه في صحون، ونقدمه للضيوف في مناسبات اجتماعية كالسهرات الشتوية».

وتختم: «إضافة إلى فوائدها الصحية فإن "الآقيت" تمنح جسم الإنسان طاقة حرارية كبيرة؛ ولذلك يتناولها الفلاحون والرعاة خلال الأيام الباردة من فصل الشتاء، كما أنها تمنح الجسم القوة والنشاط اللازمين لأجسام الفلاحين خلال أدائهم لأعمالهم الشاقة في الحقول والبساتين».

العم محمد أحمد نصيري

كما التقينا العم "محمد أحمد نصيري" الذي يقول: «منذ طفولتي كنت أحضر مع والدي السهرات الاجتماعية التي كانت تقام في قريتنا والقرى المجاورة في منطقة "عفرين" خلال الليالي الشتوية الطويلة، وكانت الأيام المثلجة خلال فصل الشتاء تعد عطلاً شعبية للفلاحين والرعاة في الريف، لذلك يلجؤون إلى إقامة سهرات اجتماعية ودورية في بيوت القرية، وذلك ضمن أجواء اجتماعية جميلة يحضرها الرجال والنساء والأطفال؛ فتأخذ كل شريحة منها حصتها من الغناء والحكايات الشعبية والحلويات التقليدية؛ وفي مقدمتها حلوى "الآقيت" التي ارتبط اسمها اجتماعياً بهذه السهرات.

عندما تبدأ هذه السهرات وحينما يبدأ حكواتي القرية قصّ الحكايات للحاضرين تبدأ النساء تحضير حلوى "الآقيت" لتقديمها للحضور، وذلك على النار الطبيعية الموقدة في مواقد النيران أو مدافئ الحطب، فتأخذ مذاقاً رائعاً، إضافة إلى الفوائد الصحية المتنوعة؛ وذلك إلى جانب "التين اليابس" و"الزبيب"، وغيرها.

في تلك السهرات أيضاً كان الحاضرون يلعبون ألعاباً تراثية، وكان الخاسرون يُحرمون من تناول حلوى "الآقيت"، فتكون خسارتهم قاسية، فينتظرون الليلة التالية لتعويض الخسارة وتناول هذه الحلوى اللذيذة من جديد».

ويختم: «على الرغم من ظهور أنواع مختلفة من الحلويات العصرية الغربية والشرقية وانتشارها الواسع، إلا أن حلوى "الآقيت" ما زالت تحظى بمكانة مرموقة لدى أهل الريف في "حلب"، ليس بسبب طعمها الطيب وفوائدها الصحية وغناها بالمواد الطبيعية فحسب، بل لكونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياتهم الاجتماعية التقليدية، وتعدّ جزءاً من تراثهم الشعبي الغني».