اسم معروف في تاريخ "حلب" التراثي والعلمي من خلال مساهماته الفكرية المتعددة التي عمل من خلالها في حماية تراثها اللا مادي الغني، جمع الآثار والتحف والصور، لكنه مات وحيداً.

بمناسبة مرور 43 عاماً على وفاة العلامة "خير الدين الأسدي"، تم الإعلان عن جائزة فكرية تحت عنوان جائزة "الأسدي"، ضمن حفل أقيم في "كندا"، بمبادرة من الدكتور "ناهد كوسا" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 كانون الثاني 2015، وهو أحد تلامذة الباحث والعلامة "خير الدين الأسدي"، وعنه يقول: «هو مؤلف أكبر موسوعة للأدب المقارن في العالم العربي، "موسوعة حلب المقارنة" التي طبعت بعد 16 سنة من وفاته، كما ترك لنا مخطوطات عديدة، وترك لـ"حلب" مسقط رأسه ولـ"بلاد الشام" وللعالم العربي ثروة أدبية لا تقدر بثمن، وأهدى المكتبة الوطنية مكتبته الغنية، وقد عاش وحيداً ومات كما عاش، عاش فقيراً ومات معدماً، لقد ألمّ باللغات السامية، كالعبرية والسريانية والكلدانية، وكذلك باللغات اللاتينية كالفرنسية والإيطالية».

في شهر أيار من عام 2011 وبعد أربعين عاماً من وفاة "الأسدي" دعت "جمعية العاديات" لإقامة ندوة حول التراث اللا مادي في "حلب"، تحدث فيها المحاضرون حول أثره العظيم في التراث اللا مادي الحلبي من خلال موسوعته عن "حلب" والمناحي المتعددة التي عالجها من حكم وأمثال و"هنهونات"، وغيرها

ويضيف: «سُجلت ولادته في "حلب" في العام 1900 ويرجح أنه ولد في العام 1899، وهذه المعلومة تذكر لأول مرة، ولديّ وثائق تصحيح تاريخ ميلاده، درس في "المدرسة العثمانية" وتابع دراسته حتى حصل على رتبة "الرشدية" التي تقابل الشهادة الثانوية اليوم، وتابع تحصيله العلمي بالمطالعة الخاصة وعبر الاتصال بكبار الأدباء والكتاب والمفكرين في عصره، وعمل في حقـل التعليم أستاذاً للغة العربية في "المدرسة الفاروقية"، ثم في "مدرسة الهايكازيان" ثم في "اللاييك" و"الحكمة"، وكان كثير التنقل والأسفار، وقد فقد كف يده اليسرى بسبب انفجار كمية من البارود كان يعدها في مسرحية مدرسية عن "الاستقلال" في العام 1923».

الدكتور ناهد كوسا

ويتابع: «كان المرحوم "الأسدي" مولعاً بجمع الآثار والتحف والصور والتسجيلات الموسيقية، وهو من مؤسسي "جمعية العاديات للآثار" في "حلب" في العام 1924، وأصبح أمين سرّها ثم نائباً لرئيسها، وبقي في منصبه حتى وفاته عام 1971، كتب عدة مؤلفات في اللغة العربية معظمها لا تزال مخطوطات، منها: "قواعد الكتابة العربية"، و"البيان والبديع"، و"ليس". ووضع كتاباً في النثر الشعري سماه "أغاني القبة"، أما قمة إنتاجه الفكري فكانت "موسوعة حلب المقارنة" التي استغرق في كتابتها ثلاثين عاماً سجلّ فيها تراث "حلب" غير المادي من حكم وأمثال وعادات وأخبار وبحث في جذور كلمات اللهجة الحلبية بحثاً عميقاً متميزاً، وبسبب إنجازاته الفكرية –التراثية منحته الحكومة السورية وسام الاستحقاق السوري عام 1984.

مات ميتةً لا تليق بشاعر وباحث وعلاَّمةٍ مثله؛ إذ تهاونت "المبرّة الإسلامية" التي قضى أيامه الأخيرة فيها بالاتصال مع ذويه وأصدقائه من الأدباء فحضرت سيارة بيك آب ووضعت في صندوقها جثَّة "الأسدي" من دون تابوت واتجهت إلى مقبرة "الصالحين" دون جنازة أو مشيعين أو قبر معلوم».

الباحث الأثري عبد الله حجار

أما الباحث الأثري "عبد الله حجار" فيقول متحدثاً حول ذكرياته مع "الأسدي": «إن معرفتي به تعود إلى بدايات اتصالي بـ"جمعية العاديات بحلب"، وهي السنوات الثلاث الأخيرة من حياته بين عامي 1969-1971 عندما كنت أشارك في رحلات الجمعية داخل القطر، كان حينها قد بلغ السبعين من العمر، ومما أذكره من تلك الرحلات أنه كان يفضل الجلوس في المقاعد الخلفية من "الباص" ليتحدث مع الأحبة والمقربين إليه، كان يقول لمستشار "جمعية العاديات" المرحوم "صبحي الصواف" إن مت فستحزن عليك زوجتك "أم سليم"، أما إذا مت أنا فستحزن علي "حلب" بأسرها.

كان المرحوم "الأسدي" ذا ماضٍ مجيد في التدريس والتأليف، كما شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة "جمعية العاديات"، وكان يحفظ في أرشيفه مجموعة هائلة من صور رحلاته داخل وخارج "سورية"، كان ساخراً في استقبال الموت، حيث كان يقول: (لن أمكّن "عزرائيل" مني، فكلما فرغت من عمل أدبي بدأت عملاً أدبياً آخر، وهكذا يجدني منشغلاً فينصرف عني)، كما كان يردد دائماً: (اكسبوني قبل أن أموت)، وعندما شعر بقرب وفاته أوصى أن يُقام له ضريح يكتب عليه فقط عبارة: "خير الدين الأسدي"، في صبيحة يوم 29 كانون لأول 1971 توقف قلبه عن الخفقان بعد أن ترك عدداً من المخطوطات وموسوعة ضخمة من 6 أجزاء بعنوان "موسوعة حلب المقارنة"».

عبد الله حجار مع الأسدي

ويضيف: «بتاريخ 12 كانون الثاني 1972 تكونت لجنة لدراسة الوثائق والآثار التي تركها "الأسدي" لتقديم الاقتراحات لإحياء ذكراه ونشر آثاره، فقررت اللجنة إقامة حفل إحياء لذكراه وطبع كتاب "موسوعة حلب" وتخصيص قاعة باسمه في كلية الآداب تعرض فيه آثاره، وإقامة ضريح له في الحديقة العامة وتسمية شارع باسمه، ولكن الأستاذ "عبد الفتاح قلعة جي" يذكر في كتاب له حول "الأسدي" - 1983، أنه لم ينفذ من تلك القرارات سوى إقامة حفل تأبيني له في "دار الكتب الوطنية"».

ويتابع: «في شهر أيار من عام 2011 وبعد أربعين عاماً من وفاة "الأسدي" دعت "جمعية العاديات" لإقامة ندوة حول التراث اللا مادي في "حلب"، تحدث فيها المحاضرون حول أثره العظيم في التراث اللا مادي الحلبي من خلال موسوعته عن "حلب" والمناحي المتعددة التي عالجها من حكم وأمثال و"هنهونات"، وغيرها».

وختم: «أقترح بدوري إنجاز ما لم ينجز من توصيات اللجنة التي تكونت عام 1972، لقد تم طبع موسوعة "الأسدي"، وسمي شارع وقاعة باسمه فهل تقوم "جمعية العاديات" بتقصي موضوع الضريح وإقامة حجر من المرمر وكتابة "خير الدين الأسدي" عليه بناء على وصيته، مع إقامة نصب له في "الحديقة العامة" في "حلب"، ويفضل لو يقام في بيته متحف صغير يضم مختلف آثاره وحوائجه وأدواته كي يصبح مزاراً يقصده محبو "حلب" وتراثها».