يبحث المرتّل الشاب "ليفون عبجيان" جاهداً في موسيقا السورية القديمة التي تنتمي إلى الكنيسة الشرقية، فقد درسها بعمق على يد العديد من المختصين ليحاول اليوم تقديمها بأبهى اشكالها.

مدونة وطن eSyria التقت المرتّل الشاب "ليفون عبجيان" فاستهل الحديث عن بداياته حيث قال: «أنا من مواليد حلب عام 1991، درست مادة الصولفيج والموسيقا الغربية في "المعهد العربي للموسيقا– حلب" لمدة ثلاث سنوات وتتلمذت على يد والدي المايسترو الراحل "بوغوص عبجيان" واحتلت الموسيقا البيزنطية المرتبة الأولى في نشاطي الموسيقي، كما تتلمذت على يد ألمع الأساتذة في الكرسي "الأنطاكي" لكنيسة الروم الأرثوذكس في "سورية ولبنان" وأبرزهم راهبات دير "سيدة البشارة" في "حلب"، والمطران د. "رومانوس داؤود"، والأستاذ "جوزيف يزبك"، إضافة إلى رهبان "دير رقاد والدة الإله"، و"حمطورة" وآخرون».

مشروعي هو النشر والتعريف بتراثنا المسيحي المشرقي العريق لأكبر عدد ممكن من الناس، بالنهاية هي موسيقا بلدنا ومن الضروري أن تخرج هذه الألحان من جدران الكنائس لتلاقي المجتمع الثقافي الواسع، كما يجب علينا أن نساهم في نشر هذه الألحان في العالم كله بطريقة لا تخرب الطابع الخاص بألحاننا المشرقية وبالوقت ذاته تواكب الموسيقا العصرية

قدم "عبجيان" أمسية ترتيل في كنيسة "الزيتون" أدى فيها موسيقات من "الكنيسة الشرقية" وتراتيل بيزنطية وتراتيل بالغات متعددة منها "السريانية" و"الأرمنية" وله نشاطات عديدة ضمن هذا السياق، يقول: «أسست كورال تحت اسم جوقة "النور" لإحياء التراث الكنسي "المشرقي" في مدينة "حلب"، وأقمت من خلالها عدة أمسيات أهمها كانت ضمن مهرجان "مساحات شرقية" على دار "الأوبرا" بدمشق، والأمسية التي قدمتها قبل أيام وجيزة في كنيسة "الزيتون" اعتمدت فيها على الترتيل المنفرد بمشاركة الكورال وبعض أهم الموسيقيين السوريين، أردتُ أن أقيم هذه الأمسية في الفترة التي تسبق أسبوع "الآلام" وعيد "الفصح" لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي ومن بينها كنيسة "الروم الملكيين الكاثوليك"، كواحة أمل ورجاء في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا، وأريد أن أنوّه بنقطة هامة وأساسية في هذه الأمسية المسكونية بامتياز، فهي تجسّد التنوّع الثقافي "السوري" بكل أشكاله، إذ كانت الأمسية من التراث المسيحي السوري المتعدد في كنيسة "كاثوليكية" وكورال "أرثوذكسي" وفرقة موسيقية من عدة طوائف مسيحية وإسلامية.... فالموسيقا تجمع وتوحّد... وخاصةً إذا كانت نغمة دينية وروحية، فنحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى الصلاة والتضرع بكثافة إلى الله كي يحفظنا ويحفظ وطننا في هذه الأيام العصيبة».

ليفون عبجيان

تعتمد الموسيقا وخاصة إذا كانت مترافقة مع الأداء الصوتي بشكل عام على العمل الجماعي، وعن هذا الانسجام بين الطرفين يقول "عبجيان" من خلال تجربته: «من أهم النقاط التي يجب التركيز عليها في الموسيقا هي العمل الجماعي، فليس بإمكاني أن أقيم أمسية بمفردي دون أي مرافقة، فأود أن أشكر الفرقة الموسيقية المؤلفة من ألمع عازفي "المعهد العالي للموسيقا"، كما أشكر "الكورال" المؤلف من رعية القديس "جاورجيوس للروم الأرثوذكس" في "عربين"، وجوقة القديس "يوحنا الدمشقي" التابع لمدارس "الأحد" الأرثوذكسية، ورعية "السريان الأرثوذكس" في "جرمانا"، أحببت أن أحافظ على الطابع الخاص لكل طقس من الطقوس التي أديتها، فبالتراتيل "المارونية" رافقتني الآلات الشرقية التقليدية التي تنقل تراث الداخل "السوري" وخاصةً مدينة "حلب"، وبالتراتيل "السريانية" أعطت آلة "الكلارينيت" طابعاً خاصاً، فالتراث "السرياني" يمثل تراث منطقة "الجزيرة السورية" والأراضي الشمالية السورية المحتلة من "تركيا" حالياً، بينما التراتيل "الأرمنية" تمثل تراث أرمينيا المتأرجح بين الأنماط الموسيقية الغربية والشرقية فكانت أيضاً الآلات تتأرجح بين الغربي كآلة "الفلوت" والشرقي كآلة "القانون"، أما في التراتيل "البيزنطية" فلا نستخدم آلات موسيقية، وينوب عنها صوت بشري يسمى "إيصن".، وهو غالباً يكون على قرار اللحن أو المقام، ويتغيّر كلّما تغيّر قرار الديوان في اللحن المستخدم».

من المعروف أن الموسيقا "البيزنطية" /اصطلاحاً/ هي الموسيقا الكنسية الطقسية التقليدية التي تستخدم من قبل طائفة "الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك"، وهي نظام موسيقي عريق بدأ مع بداية المسيحية وتطور باستمرار عبر التاريخ، ويستمر إدخال التطويرات والتعديلات عليه حتى اليوم. يستعمل هذا النظام الموسيقي في الكنائس "الأرثوذكسية والكاثوليكية" في "المشرق العربي" و"اليونان" وبعض مناطق "أوروبا الشرقية" و"قبرص" و"أفريقيا"، وكذلك يستعمل في دول الاغتراب في القارة "الأمريكية" و"الأسترالية" في الكنائس التي تتبع للكرسي "الانطاكي" أو للكنيسة "اليونانية"، ويقول "عبجيان" عن اختياره عن بحثه في هذا النمط الموسيقي: «لا أعلم بالضبط من أين وُلِدَتْ في داخلي الرغبة باختيار هذه الأنماط الموسيقية، ولكن أتذكر منذ طفولتي أنني كنتُ أحب الاستماع إلى الأنماط الموسيقية التي لا أسمعها في منزلي، أي الموسيقا "الكلاسيكية" و"الأرمنية" اختصاص والدي، أو موسيقا الجاز اختصاص أخي الموزع الموسيقي "ناريك عبجيان"، فكانت الموسيقا الشرقيّة بشكل عام والدينيّة منها بشكل خاص محط اهتمام لي، وعن طريق وسائل الإعلام خاصةً في أعياد الميلاد والفصح بدأت أتعرّف على الموسيقا الكنسيّة المشرقيّة، وبالأخص الموسيقا "البيزنطيّة"، وفرادتها هي التي وجّهتني إلى كنيسة "الروم الأرثوذكس" في "حلب" لتعلّم مبادئها وألحانها، أما بالنسبة لباقي الأنماط التي أقدمها عادة في الأمسيات من "السريانية والمارونية" فأتت نتيجة تنقّلي بين كنائس "حلب" من مختلف الطوائف وخاصةً في فترة الصوم الأربعيني وأسبوع الآلام الذي يسبق عيد الفصح، والموسيقا "الأرمنية" لا داعي للإجابة عنها فأنا "أرمني" بالأصل ومن البديهي أن أنقل تراث كنيستي الأرمنية إلى الحضور».

مع المايسترو ميساك باغبودريان

ويتابع حديثه معرفاً عن الموسيقا الكنسية الشرقية: «إن عدنا تاريخيّاً إلى الجذور الموسيقية لألحان كنائسنا المشرقية فهي بالطبع متأثرة بالموسيقا الدينية "الوثنية واليهودية"، إلا أن الكنيسة طوّرت الألحان وأعطتها طابعاً خاصاً ما أعطاها التميّز والتفرد، ومن الجدير بالذكر أن كل طقس من الطقوس المشرقية يحمل في طيّاته عدة مدارس وأنماط موسيقية ولحنية، ففي الترتيل البيزنطي"السوري المنشأ" لدينا المدرسة "القسطنطينية" والمدرسة "الآثوسية" في "اليونان" وغيرها، وفي الموسيقا "السريانية" لدينا مدرسة "الرها" ومدرسة دير "الزعفران"، وفي الموسيقا المارونية هناك المدرستان "اللبنانية والحلبية"، وفي الموسيقا "الأرمنية" كذلك عدة مدارس، وبالتأكيد إذا أردنا التحدث عن كل نمط من أنماط الموسيقا الكنسية المشرقية فنحن بحاجة إلى آلاف الصفحات».

كما لكل موسيقي مشروعه الخاص ورسالة يود أن يوصلها إلى المتلقي، أيضاً لضيفنا كذلك، وهنا يقول: «مشروعي هو النشر والتعريف بتراثنا المسيحي المشرقي العريق لأكبر عدد ممكن من الناس، بالنهاية هي موسيقا بلدنا ومن الضروري أن تخرج هذه الألحان من جدران الكنائس لتلاقي المجتمع الثقافي الواسع، كما يجب علينا أن نساهم في نشر هذه الألحان في العالم كله بطريقة لا تخرب الطابع الخاص بألحاننا المشرقية وبالوقت ذاته تواكب الموسيقا العصرية».

في إحدى امسياته

الموسيقي وعازف البزق "آلان حسن" قال: «لقد حضرت الأمسية الأخيرة للمرتّل "ليفون عبجيان"، واعجبت بصوته والمشروع الذي اتخذه على عاتقه الذي يتضمن الاهتمام بالموسيقا الكنسية الشرقية وبشكل خاص الموسيقا "البيزنطية" التي طالما غابت عن ساحتنا الموسيقية، فهذه الموسيقا هي جزء اساسي من موسيقانا "السورية" العريقة فلابد من الاهتمام بها وتقديمها بشكل يليق بهذا النمط الجميل كما يفعل "عبجيان"، أتمنى أن يتابع مسيرته ويرى من يدعمه لنعيد ألق هذه الموسيقا».