المغترب هو جسر تواصل بين وطنه الأم والعالم، وذلك من خلال ما يقوم به من أنشطة وأعمال وإنجازات تُسجّل لمصلحة بلده، وبالتالي ترفع من شأنه ومن حضوره المتميز في المحافل الدولية المختلفة، فالغربة لا تتمثل في الحزن والبعد والفراق والحنين وإنما هي انجاز ومهمة وطنية وإنسانية.

الدكتور "ناهد كوسا" مغترب حلبي يعيش في "كندا" وهو بحق مفخرة سورية في الخارج من خلال ما قام به وما زال من أعمال شخصية رفع بها اسم وطنه الأم عالياً، وكذلك من خلال عمله الدؤوب مع الجالية السورية في "كندا" في خلق جسور تواصل متينة من المحبة مع أبناء بلدهم في الداخل، فكانوا بذلك سفراءنا في بلد المهجر الذي يكن لهم كل تقدير واحترام.

كان ذلك في باريس في العام 1988 حيث قمت بعرض أصغر لوحة مائية رسمتها تحت المجهر ولا تتجاوز أبعادها الميليمتر الواحد

مدونة وطن eSyria تواصلت مع الدكتور "ناهد كوسا" في مدينة "مونتريال" الكندية بتاريخ 2/8/2010 وسألته عما حققه من إنجازات شخصية لبلده سورية وعن أوضاع الجالية السورية في كندا بشكل عام وأهم أنشطتها.

أصغر مخطوط للإنجيل في العالم

يقول الدكتور "ناهد" حول قصة دخوله "لموسوعة غينيس" لأول مرة: «كان ذلك في باريس في العام 1988 حيث قمت بعرض أصغر لوحة مائية رسمتها تحت المجهر ولا تتجاوز أبعادها الميليمتر الواحد».

ويضيف: «وبعد عقد من الزمن أي في العام 1998 دخلت الموسوعة الدولية ثانية وذلك بكتابة نشيد الجمهورية العربية السورية بألوان العلم السوري كأطول نص على حبة الأرز الطبيعية، حيث كتبت بالألوان 37 كلمة على حبة لا تتجاوز ثلاثة ملليمترات نقلتها مباشرة عدة فضائيات ووكالات الأنباء العربية والكندية والعالمية، وهي موجودة اليوم في "القصر الجمهوري" بدمشق، وهناك حبات أرز أخرى ونادرة كتبت عليها وهي موزعة في كبرى المتاحف وفي مختلف بلاد العالم سورية- لبنان– القدس– الإمارات العربية المتحدة– ألمانيا– فرنسا– إيطاليا– الفاتيكان– السويد- الولايات المتحدة- كندا، فمثلاً الحبة التي كتبت عليها سورة الفاتحة موجودة في الجامع الكبير في "حلب" والثالثة التي كتبت عليها حكماً وأقوالاً موجودة في متحف "بيت وكيل" بحلب، وأخيراً كتبت "قصيدة المحبة" على حبة موجودة في متحف "جبران خليل جبران" في "بشري" بلبنان.

بمناسبة تقلده وسام المئوية الكشفية

وفي العام 2001 وخلال زيارة البابا "يوحنا بولس الثاني" إلى سورية قدمت لقداسته في "ملعب العباسيين" بدمشق أصغر مخطوط للإنجيل في العالم دوّنته بخطوط عربية وآرامية على أوراق سجائر رقيقة مزخرفة ومذهبة الأطراف لا تتجاوز أبعادها واحد ونصف سنتمتر، يحتفظ متحف الفاتيكان الشهير بهذا المخطوط العربي النادر وبذلك كان دخولي لموسوعة غينيس للأرقام القياسية للمرة الثالثة».

وفيما يتعلق بأوضاع الجالية السورية في "كندا" أضاف بالقول: «في آخر إحصاء للجالية السورية في "مونتريال" كان عددها يقارب بين 75– 80 ألف نسمة يوجد وفيها عدة جمعيات "كجمعية جلجامش الثقافية"، و"النادي الكندي السوري"، و"نادي الجزيرة السوري"، و"إذاعة ليالي يا مال الشام"، وجميع هذه الجمعيات تلتقي في المناسبات الوطنية والدينية، وفي العام 2008 تم تسليط الضوء على بعض فعاليات هذه الجمعيات في برنامج /البلد بلدك/ على القناة الفضائية السورية».

يهدي أصغر انجيل في العالم للبابا

وحول تجربة تأسيس إذاعة "يا مال الشام" يقول: «البرنامج الإذاعي كان وليد "النادي السوري- الكندي" الذي أسسته مع مجموعة من الوطنيين السوريين الغيورين في العام 1999 في مدينة "مونتريال" حيث كنت فيه حتى فترة قصيرة مسؤول اللجنة الثقافية، تبعه افتتاح أول سفارة للجمهورية العربية السورية في كندا، ومن ثم أسست تجمع الفنانين التشكيليين العرب في الشمال الأميركي في العام 2000، وبعدها جاء تأسيس "فرقة الكشافة العربية"، وكان من الضروري بعد هذه الإنجازات إيصال صوتنا وتوسيع دائرة علاقاتنا المهجرية، ولذلك التحقنا في العام 2006 "براديو الشرق الأوسط" لنبث من خلاله برنامجنا الإذاعي "ليالي يا مال الشام" إلى جانب برامج أخرى "كراديو كندا الدولي"، و"صوت مونت كارلو" علماً أنّ برنامجنا يبث أيضاً عبر شبكة الإنترنت على الرابط التالي www.syrie.ca،

وعليّ أن أذكر هنا تضافر جهود رواد البرنامج السوري ولولاهم لما وجد برنامجنا النور وهم: "هند لطفي" من "دمشق" و"حسان حداد" من "القنيطرة" و"محمود الكن" من "حمص"، من بعدها انضم إلينا العديد من المثقفين والمثقفات والتقنيين المهتمين وأطلقنا اسم أسرة "ليالي يا مال الشام" على مجلس إدارتنا ومن يومها نعيش فعلا أسرة واحدة».

وعن نشاطاته الشخصية الحالية يقول: «منذ تركت "سورية " أصبحت أهتم بالبحث في جذور الكلمات العربية وأصولها، وقد لاقى ذلك اهتماماً كبيراً من قبل المستمعين في المهجر ما أعادني بذاكرتي واهتمامي إلى أستاذي العلامة "خير الدين الأسدي" الذي عاصرته لفترة وجيزة بين عامي 1969 -1971 ونهلت من خبراته، "الأسدي" لمن لا يعرفه يُعد "أصمعي" القرن العشرين وهو مؤلف أكبر موسوعة في الأدب المقارن في العالم العربي.

وفي المجال الفني، فأنا أقدم منذ عدة سنوات سلسلة من محاضرات دورية في كل من جامعتي "مونتريال، وكيبك" الكنديتين حول تاريخ الخط العربي وأشكاله الفنية، وهناك أيضاً مجموعة من الصور الضوئية التي تمّ التقاطها مؤخراً في حارات وأزقة كل من "حلب" و"دمشق" تنتظر دورها مع بقية المشاريع الفنية لتعرض بشكل لوحات جدارية كبيرة باللونين البني والأبيض في معرض خاص عن تاريخ "سورية"».

عن الأوسمة والمناصب التي تقلدها في المغترب يتحدث الدكتور "كوسا" بالقول: «أحمل وسام الإبداع والابتكار من الحكومة السورية ووسام الاستحقاق من حاكم كندا ممثل الملكة اليزابيت، كما أحمل وسام ملك السويد شارل غوستاف كما منحني كاردينال مونتريال سيف الرحالة كريستوف كولومبس مرفقاً برتبة فارس من بابا روما».

يُذكر أنّ الدكتور "ناهد كوسا "هو مهندس زراعي تخرج في العام 1980 من جامعة "حلب" وتخصص في علوم البيوتكنولوجيا وله أطروحة دكتوراه في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي من جامعة السوربون الفرنسية إلى جانب دراسته الأساسية، وقد حصد العديد من الشهادات في علوم الآثار والمستحاثات والتنمية الاجتماعية وعمل باحثاً ومحرراً في المعهد العربي للدراسات الدولية في باريس بين أعوام 1985-1990 ومن ثم مدرساً ومحاضراً في "جامعة كيبك" في "مونتريال" بين 1991-1996، وعُيّن مساعداً برلمانياً في "مجلس العموم" في مدينة "أوتاوا"، ثم مستشاراً لأمور الهجرة في "البرلمان الكندي" منذ العام 2003، كما تمّ تعيينه مستشاراً أولاً في الحكومة الفدرالية الكندية ومستشاراً خاصاً لوزير الجنسية والهجرة والتعددية الثقافية منذ عام 2008.