لعبت الخانات عبر التاريخ دوراً هاماً في حياة مدينة "حلب" الاقتصادية والسياسية والدينية فقد ساهمت بشكل فاعل في ازدهار التجارة وتطوير علاقات المدينة مع مختلف الدول.

موقع eAleppo التقى بعدد من زوار المدينة القديمة الذين تحدثوا عن أهمية الخانات ودورها في تاريخ "حلب"، "جيكر إبراهيم" مهندس معماري من حي "الأشرفية" قال: «إنّ وجود هذه الخانات وبهذا العدد الكبير دليل على أهمية المدينة من الناحية الاقتصادية والتجارية فموقعها المتوسط بين الشرق والغرب أعطاها مكانة مهمة في هذا المجال لتصبح أبرز المحطات الواقعة على طريق الحرير المعروف عالمياً.

"الخان" كلمة تركية مغولية وتعني "البيت الكبير" ويضم أسرة كبيرة أو عشيرة بفروعها ومنها اشتقت كلمة "خانة" وتعني منزل الإنسان وبلغة اليوم هي الحي الذي ينتسب إليه وسجلت ولادته فيه ثم تفرعت الكلمة إلى "الرئيس الكبير" مثل "جنكيز خان" و"همايون خان" وإلى استعمالات أخرى أهمها "كارفان سراي" أي "مكان القوافل" وهذا تعريف أطلقه الأوربيون على "الخان"

ومن ناحية ثانية علينا أن لا ننسى الأهمية العمرانية لهذه الخانات التي تعبر عن الذوق الرفيع للمهندس الحلبي الذي ترك بصماته بكل حِرفية في بنائها لتكون شاهدة على الأهمية التاريخية للمدينة إلى جانب أهميتها التجارية كما قلت».

أوج خان.. ذو الواجهة المملوكية

"لقمان عبدو" من حي "السريان" قال: «لا يمكننا الحديث عن عراقة "حلب" وقدمها بدون الحديث عن جزئها القديم الذي يضم عشرات الأسواق والخانات التي تعود إلى عهود غابرة والتي تشهد على تميز "حلب" من النواحي الاقتصادية والعمرانية.

حالياً تعتبر هذه الخانات مراكز جذب نشطة للسياح والدارسين والباحثين من مختلف بقاع الأرض للبحث والاطلاع على تاريخ المدينة، والكثير منها اليوم تقوم بوظيفتها الأصلية فهي ما زالت مراكز تجارية مهمة في المدينة يمارس التجار فيها نشاطاتهم الاقتصادية المعتادة كما في العهود الغابرة».

الطابق العلوي من خان الصابون

وحول الدور التاريخي للخانات يقول الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف سورية الشمالية: «في كل مكان وجد فيه لعب الخان دوراً متميزاً في عدة أعمال أهمها: التجارة بأنواعها والإقامة والسكن بالنسبة للجاليات الأجنبية والاستراحة للمسافرين والرحالة والحجاج وللتعارف بين القوميات والأجناس وتبادل الآراء /كالمؤتمرات التي تعقد اليوم في الفنادق/ وكذلك لمرور الباحثين والدارسين ولجوء عابري السبيل من الفقراء الذين كان لهم الحق في الإقامة فيها مجاناً طالما يحتاجون الإقامة أو بدفع مبلغ معين.

لقد أقامت الجاليات الأجنبية في خانات "حلب" منذ القرن 13م وكان لكل جالية طبيبها الخاص ومن أشهرهم "الأخوان راسل" اللذان وضعا كتاباهما الضخم عن "حلب" بعنوان "تاريخ حلب الطبيعي" الذي طبع في لندن في العام 1756 و1794م وقد كانت إقامة هذه الجاليات في الخانات في صلب الاتفاقيات الدولية كاتفاقية الامتيازات المعقودة بين السلطان "سليمان القانوني" وملك فرنسة "فرانسوا الأول" في العام 1535م، كما كانت هذه الخانات مقر القناصل فمثلاً كانت لفرنسة قنصلية في "خان الجمرك" منذ أوائل القرن 16 وتبعها افتتاح قنصليات أخرى بلغ عددها تسع حتى مطلع القرن العشرين وكانت أول قنصلية انكليزية في مطلع القرن 17 في كل المشرق افتتحت مع تأسيس "شركة الهند الشرقية" في العام 1603م في "خان البرغل" وأول قنصلية هولندية كانت في العام 1607م، لقد عرفت الخانات أحياناً بأسماء الجاليات التي سكنتها مثل "خان البنادقة" و"خان الفرنسيس" وغيرها.

خان الوزير.. مقر للقنصلية السويسرية اليوم

لقد زاد عدد الخانات حتى فترة متأخرة عن 150 خاناً بقي الكثير منها إلى اليوم ففي مركز أسواق المدينة هناك حوالي 27 خاناً، وفي الوقت الحالي لعبت دوراً فنياً معاصراً من خلال تصوير العديد من المسلسلات التلفزيونية وفي إحياء الحفلات كما في "خان الشونة"».

وختم: «"الخان" كلمة تركية مغولية وتعني "البيت الكبير" ويضم أسرة كبيرة أو عشيرة بفروعها ومنها اشتقت كلمة "خانة" وتعني منزل الإنسان وبلغة اليوم هي الحي الذي ينتسب إليه وسجلت ولادته فيه ثم تفرعت الكلمة إلى "الرئيس الكبير" مثل "جنكيز خان" و"همايون خان" وإلى استعمالات أخرى أهمها "كارفان سراي" أي "مكان القوافل" وهذا تعريف أطلقه الأوربيون على "الخان"».

المهندس "عبد الله حجار" وهو باحث أثري ومستشار جمعية العاديات للفترة الكلاسيكية يقول عن الخانات ودورها: «الخانات هي مكملة للأسواق ويعود أقدم ما تبقى منها إلى أيام المماليك، و"الخان" يتألف من باحة واسعة قام في وسطها المسجد للصلاة وأحاطت بالباحة وعلى طبقتين الغرف والحوانيت العديدة يصعد إلى الطبقة العلوية بدرج غالباً ما يكون قرب المدخل الرئيسي للخان وقد خُصصت لإقامة التجار بينما كانت البضائع تعرض في الطبقة السفلية وقد فُرض على قناصل الدول الأجنبية والتجار الأجانب الإقامة في هذه الخانات أيام الحكم العثماني ولذلك تتميز الطبقة العلوية منها بوجود قاعة واجهتها مزخرفة بالنقوش الجميلة غالباً ما تكون فوق مدخل الخان الرئيسي تطل على باحتها الداخلية فيراقب منها القنصل مصالح تجارته وتجارة الدولة التي يمثلها.

عندما يُغلق مصراعا باب "الخان" الكبير المخصص لدخول الجمال والبضائع يُفتح باب صغير يسمى "خوخه" يتم من خلاله دخول الناس وخاصة عند المساء».

ويضيف: «من أهم خانات الفترة المملوكية بحلب "خان الصابون" الذي يتميز بواجهته مدخله الرائعة برنوكها وكتاباتها وتشابك رسومها و"خان خاير بك" ومدخله الجميل و"خان أبرك"، أما خانات الفترة العثمانية فأهمها "خان الجمرك" و"خان الوزير" و"خان النحاسين" الذي يضم "دار آل بوخة" و"خان العلبية" وكانت تسكنه عائلة "ماركوبولي" و"خان الحبال" و"خان البرغل" و"خان التتن الصغير" /القديم/ و"الكبير" و"خان الطاف" و"خان عمر شاهين" /فيلكروز/ وسواها.

ولا بد هنا أن نذكر القيساريات التي كانت تنتشر في الأسواق وقرب الخانات وهي عبارة عن أبنية شبيهة بالخانات وعلى حجم أصغر وهي تضم أصحاب المهنة الواحدة وأهل الصناعة للأحذية و"الفرّابين" و"الصبّاغين" و"الدبّاغين" و"الحكّاكين" وسواهم.

لقد أقام القناصل والجاليات الأجنبية في الخانات وسُمح لهم بتحويل إحدى الغرف إلى معبد صغير لممارسة شعائرهم الدينية أو الصلاة في "كنيسة الموارنة" وهي الكنيسة الوحيدة في "حلب" وكان هناك كنيسة صغيرة في "خان الحبال" يرعاها الآباء اليسوعيين وأخرى في "خان أبرك" /"القصابية"/ يرعاها الآباء الكبوشيون وبالإضافة إلى الكنيسة التي كان يرعاها رهبان الكرمل للجالية الفرنسية في "خان الجمرك" وكان هناك معبد للجالية الانكليزية يرعاه رجل دين انكليكاني في العام 1599م».

وحول تأثير الخانات في العمارة الحلبية قال: «عند إحداث بلدية "حلب" في العام 1868م والبدء بالبناء في حيي "العزيزية" و"الجميلية" حسب التخطيط الأوربي الذي تبنى شوارع بعرض 13 و16 م والذي لم يعد يعتمد كثيراً مخطط البيت التقليدي من حيث وجود صحن الدار والإيوان وقاعة الاستقبال على شكل حرف T المقلوب كما هو الحال في بيوت حي "الجديدة" الشهيرة مثل "بيت وكيل" و"باسيل" و"صادر" و"وأجقباش" وسواها فقد قام مالكو هذه الدور وهم من الطبقة البرجوازية والتجار الأغنياء الذين كانوا يعملون مع القناصل والتجار الأوربيين غالباً كمترجمين أو وكلاء قاموا ببناء دورهم الجديدة على نمط مخطط سكن القناصل في الخانات ولعل أقدم دار لا زالت قائمة في "العزيزية" هي "دار الخوري" /"مدرسة الزنابق" حالياً/ ويعود بناؤها إلى العام 1869م وهكذا نجد وبشكل واضح تأثير مخطط السكن الذي اعتمده القناصل في الخانات في تخطيط أبنية "حلب" المنشأة في كل من حيي "العزيزية" و"الجميلية" الحديثين».