«أمتي هل لك بين الأمم... منبر للســـــيف أو لـلــــقلـــــم.... ألإســــــرائيل تعلو راية.... في حمـــى المهد وظل الحـرم... رب وامعتصماه انطلقت.... ملء أفــــواه البنــــات اليتـــــم.... لامست أسماعهم لكنها... لـــم تلامس نـخوة المعتصم». هذا ما قاله الشاعر العربي "عمر أبو ريشة" بعد نكبة فلسطين" في عام (1948)م فنظم قصيدته هذه في قبل غياب شمس يوم النكبة لتكون منارة في سجلات الأدب العربي وعلماً من أعلام الروح الثائرة التي سادت الجسد العربي منذ ذلك الوقت.

ولد الشاعر "أبو ريشة" في مدينة "عكا" بفلسطين عام (1910) لكنه تبع نسبة أبيه الشيخ (شافع) وسجل ميلاده في مدينة "منبج" التابعة لمحافظة "حلب" فدعي على إثرها ابن "حلب"، وهو تابع لعشيرة "الموالي" البدوية، وكان قد قضى قرابة الأعوام التسع في فلسطين حتى جاء "حلب" ليكمل دراسته الابتدائية فيها.

لقد خلق الشاعر "عمر أبو ريشة" جواً خاصاً بكتاباته فشكّل نبراساً للأدب والثورة، وأهم ما يميزه كإنسان وكشاعر هو روحه الثورية التي حفزت كلماته على أن يستخدمها في سبيل نشر السلام وهذا ما يبرز في قصائده كافة، وبهذه الروح شكل صورة لأهم كتاب العصر وأهم ثوارها أيضاً

وجاء لقب "أبو ريشة" نيابة عن كنيته الأصل لحادثة تاريخية في عائلته عندما أهدى السلطان العثماني أحد أجداد "أبو ريشة" عمامة تعلوها ريشة فدعي آنذاك بأبي ريشة ليثبت اللقب على العائلة أجمع.

الأديب أحمد دوغان

وقد نشأ "أبو ريشة" في عائلة سادتها الصوفية والتوجه الأدبي في الشعر فقد كان أبوه شاعرا وأخوه "ظافر" كذلك الأمر إضافة إلى أخته "زينب"، الأمر الذي أثر فيه كثيراً وجعل خطواته الأدبية الأولى أكثر سهولة ومنارة أكثر من غيره.

وفي مراحله التعليمية أجاد "أبو ريشة" الإنكليزية حتى الاحتراف وأكمل دراسته المدرسية في "حلب" ليتابع الجامعية منها في الجامعة الأمريكية في "بيروت" والتي أضافت إليه الكثير، ليغادر "بيروت" إلى "بريطانيا" عام (1929) متابعاً دراسته في الكيمياء العضوية التي ما لبث أن انصرف عنها متوجها إلى الشعر والأدب.

عمر أبو ريشة عندما كان طفلا

وإثر عودته إلى "حلب" في عام (1933) شارك في الثورة ضد الاحتلال الفرنسي وكانت تحربته الشعرية قد نضجت فشارك الثوار بالعديد من القصائد الشعرية التي مازالت تتردد على ألسنة المتغنين بالثورة ضد المحتل.

وقد تم اعتقاله أكثر من مرة من قبل السلطات الفرنسية لمواقفه الصارمة ضد الاحتلال، إلى أن نال شرف المشاركة في جلاء الاحتلال الفرنسي. ولم يهدأ نشاط "أبو ريشة" السياسي ولا الأدبي إذ أنه ثار بشعره ضد الأوضاع المتردية التي سادت البلاد بعد الاحتلال وأسقط بكلماته حكومة رئيس مجلس الوزراء "خليل مردم بيك" التي اشتهرت بضعفها وعدم مقدرتها على إدارة البلاد. في عام (1940) تسلم "أبو ريشة" منصب مدير دار الكتب الوطنية في "حلب".

وفي عام (1948) فجّر معجزة أدبية وثورية عقب نكبة "فلسطين" بعد نشره لقصيدته "أمتي" التي شكلت نقطة علاّم في تاريخ الأدب والثورة العربية ورسمت صورة جميلة للروح الثائرة محركة ضمائر الكثيرين من أبناء العروبة، ليدخل بعدها في عام (1949) السلك الدبلوماسي ويعمل بصفة سفير للبلاد في دول عديدة منها تشيلي والأرجنتين والهند (مرتين) والنمسا والبرازيل والولايات المتحدة وشكّل عبر هذه التنقلات العديد من العلاقات الدولية التي وطدت العديد من علاقات الجمهورية العربية السورية بدول أجنبية منها الهند.

وكان "أبو ريشة" قد ترك السلك الدوبلوماسي بملء إرادته في العام (1970) ليقضي بقية حياته بين أعلام الأدب والشعر متنقلا بين سورية والسعودية ولبنان حتى وافته المنية في السعودية عام (1990) لتوارى جثمانه في مقبرة "الصالحين" بـ"حلب" وكان ذلك بجنازة ضخمة تميزت بحضور رسمي كبير.

ويحدثنا الأديب "أحمد دوغان" عن الشاعر "أبو ريشة" فيقول: «لقد خلق الشاعر "عمر أبو ريشة" جواً خاصاً بكتاباته فشكّل نبراساً للأدب والثورة، وأهم ما يميزه كإنسان وكشاعر هو روحه الثورية التي حفزت كلماته على أن يستخدمها في سبيل نشر السلام وهذا ما يبرز في قصائده كافة، وبهذه الروح شكل صورة لأهم كتاب العصر وأهم ثوارها أيضاً».

أما الأديب د."أحمد زياد محبك" فيقول عن شعر "أبو ريشة" كما أورد في كتاب "أدباء من حلب" إذ قال: «من الصعب تصنيف شعره في اتجاه أو غرض، فهو يترجح بين الكلاسيكية والرومنتيكية ولا يخلو من ملامح برناسية وأخرى رمزية، مما يدل على خصوصيته، ويمتاز عامة بالتجديد، وقد عبر في شعره عن نزعة فريدة تحمل إحساسا طاغيا بالذات، وشعورا شديدا بالحزن، وتعبر عن شوق كبير إلى المرأة في قدر غير قليل من العزة والكبرياء ورفض سفح الشعور».

للشاعر العديد من الأعمال نذكر منها:

-"ذي قار" مسرحية شعرية نشرت عام (1929) كتبها وهو لم يتجاوز العشرين من عمره.

-"شعر" مجموعة شعرية نشرت عام (1936) إضافة إلى مجموعة شعرية بعنوان "من عمر أبو ريشة شعر" والتي نشرت عام (1947).

-كما نشر له مجموعة شعرية بعنوان "غنيت في مأتمي" عام (1970)، إضافة إلى "ديوان عمر أبو ريشة" والذي نشر عام (1971)، ونشر له أيضا مجموعة شعرية بعنوان "أمرك يا رب" والتي نشرت عام (1976)، ويذكر أن هناك العديد من القصائد المتناثرة للشاعر "أبو ريشة" في الصحف والتي لم تجمع ولم تطبع حتى اليوم.