قد يكون غريباً في أطواره عندما سنحت له فرصة لأن يكون عازف عود محترف في "حلب" ولأن يكون مهندسا ميكانيكيا بعد تخرجه من كليتها، فاختار طريقاً مخالفاً وليس ببعيد عن المجالين ألا وهو أن يكون صانعاً لآلة العود.

وفعلا رسم عبر عشرين سنة مضت في صناعة الآلات الموسيقية صورة لأفضل صانعي العود في العالم العربي فوصل نتاجه إلى معظم الدول العربية والشرقية عموما وأهمها "مصر" ليشرع بمشروعه الأخير إلى إعادة صناعة عود الفنان الراحل "فريد الأطرش".

وصلتني صور من مصر للعود الأصلي للفنان "فريد الأطرش" مع معلومات كافية عنه إذ إنني بدأت بصناعة هذا العود واضعاً كل ما أملك من خبرة في سبيل إنجاز هذا المشروع بغية الوصول إلى آلة عود فريدة كالتي كان يمتلكها الفنان الفريد "فريد الأطرش"

التقى موقع eSyria بالفنان المهندس "إبراهيم سكر" الذي يعتبر من أهم مصنعي آلة العود في "حلب" ذلك في 21/1/2009 ليحدثنا عن مسيرته مع هذه الآلة والتي تعود لأكثر من ربع قرن وعن مشروعه الخاص في صناعة عود مماثل لعود الفنان "فريد الأطرش" الذي يعتبر من أعلام الموسيقا الشرقية على الإطلاق.

عود الراحل فريد الأطرش

وعن بداياته في المجال الموسيقي يحدثنا قائلا:

«بدأت تعلم العزف على آلة العود عندما كنت شابا في الثانوية الصناعية، وإثر تعلمي واجتهادي وصلت إلى مراحل متقدمة من التقنية في العزف والمهارة في التنقل بين النغمات على اختلافها، فبدأت بالتفكير بما هو أبعد من العزف والذي يكمن لدي في طريقة صناعة هذه الآلة، إلى أن أنجزت آلة العود الخاص بي والتي صنعتها من أبسط المواد وبأبسط الأدوات إذ كانت أدواتي معظمها يدوية، ورحت أكرر التجربة مضيفا عليها العديد من التفضيلات والزينات والتسهيلات التي تؤمن عزفا أسلس وأجمل إلى أن بدأت بنشر ما أقوم بصنعه بين أصدقائي الذين راحوا يعتمدون عليّ في إصلاح آلاتهم العاطلة أو يطلبون مني صنع آلات عود خاصة لهم».

مراسل الموقع مع الفنان إبراهيم سكر

ويتابع "السكر" في الحديث قائلا:

«بعد أن دخلت كلية الهندسة الميكانيكية ازداد تعلقي بآلية الصناعة بشكل عام وازداد تعلقي بالفن، فوجدت نفسي أصنع العود بأساليب عدة مرضياً رغبتين سكنتا داخلي الأولى تجسدت في الصناعة والثانية تجسدت في الفن الموسيقي، وبدأت بتطوير أدواتي وشراء آلات مخصصة لصناعة العود إلى أن انطلقت في "حلب" كصانع لهذه الآلة وبدأت ببيع منتجي الذي لاقى رواجا وشهرة بين أبناء المدينة والذي راح ينتشر بسرعة إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، وقمت على توسيع نشاطي عبر التعمق في دراسة طريقة صنع الآلات الموسيقية الشرقية إلى أن أصبحت أصنع أكثر من آلة موسيقية شرقية وغربية كالقانون والعود والبزق والكمان والغيتار».

وكان السيد "إبراهيم سكر" قد تخرج من كلية الهندسة الميكانيكة في جامعة "حلب" عام (1992) لكنه لم يعمل في مجال الهندسة ولا في مجال العزف رغم امتلاكه للقدرة والموهبة فيحدثنا عن هذا التوجه قائلا:

«لم أكن يوما لأفكر بأنني مهندس، إنما فكرت بأن أكون إنسانا صانعا، ورغم أنني قد تعلمت العديد من فنون العزف والتي يفتقدها الكثيرون إلا أنني رغبت في أن أكون صانعا لا عازفا وذلك لسببين، الأول يكمن في حبي الخاص للصناعة والذي زرع بداخلي نتيجة لتخصصي الجامعي، والثاني هو أنني رغبت أن أكون منفردا بحرفة ما ووجدت هذه الحرفة نادرة في "حلب" رغم عراقة "حلب" بها، فأن أكون عازفا هذا يعني أنني أتحدى الآلاف لأكون متميزا بينهم، أما أن أكون صانعا فهذا يعني أن أتحدى العشرات فحسب».

وعند سؤاله عن المشروع الذي يقوم به حاليا والذي يتجسد في صنعه لعود مماثل لعود الراحل "فريد الأطرش" يحدثنا "السكر" قائلا:

«يتميز عود الراحل "فريد الأطرش" بنوعية خشبه الخاصة؛ والتي يصعب التعامل معها في الثني وتشكيلها لتصبح آلة عود، إضافة إلى الزركشات التي عليه والتي تعطيه شكلا خاصا جميلا، ومن جهة أخرى تلك القيمة المعنوية الكبيرة تبعا لقيمة الفنان "فريد الأطرش" وكان قد حدثني السيد الدكتور "جمال عبد المنعم" المهتم بالموسيقا العربية من جمهورية "مصر" طالبا مني إعادة صنع عود الفنان الملحن الراحل "فريد الأطرش" وذلك إحياء لذكراه باعتباره واحداً من أعلام الموسيقا العربية الذين أثروا في سياق التطور والازدهار الموسيقي العربي، ومن ناحية أهم نشأ هذا المشروع في إطار التأكيد على الصناعة الحلبية لآلة العود الشرقية، إذ إن العود الأصلي للفنان "فريد الأطرش" هو من صناعة "حلب" وعلى وجه التحديد من صناعة السيد "جميل قندلفت" الذي عرف بخبرته في صناعة آلة العود التي لاقت ازدهارا على أيامه».

وتابع عن هذا المشروع قائلا: «وصلتني صور من مصر للعود الأصلي للفنان "فريد الأطرش" مع معلومات كافية عنه إذ إنني بدأت بصناعة هذا العود واضعاً كل ما أملك من خبرة في سبيل إنجاز هذا المشروع بغية الوصول إلى آلة عود فريدة كالتي كان يمتلكها الفنان الفريد "فريد الأطرش"».

وفي مفارقته بين هذه الصناعة قديما وحديثا يحدثنا "السكر":

«قديما كان يعاني صناع "حلب" من مسألة التواصل مع العالم الخارجي بسبب بعدها عن العاصمة السورية "دمشق" إلا أن هذه المشكلة تلاشت مع تطور الزمن، حيث نقوم اليوم بصناعة أعواد تنتشر في كافة أنحاء العالم، ومن جهة أخرى عانينا في بدايتنا من مسألة الأدوات التي كان معظمها يدوياً، فكنا ننتج أقل مما نقوم به اليوم مع توفر الآلات الكهربائية التي تضمن جودة وسرعة أكبر في الإنتاج».